هكذا عرف الدكتور الشيخ ناظم العقيلي الإمام أحمد الحسن (ع)

الشيخ ناظم العقيلي ، العراق – محافظة ميسان

من طلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف،

كنت اسكن النجف – حي النصر، عند إعلان الدعوة اليمانية المباركة سنة 2002 م،

وكنت من أول المؤمنين بها ولله الحمد والمِنَّة، وأسأل الله أن يثبتني ويختم لي على ولاية ونصرة الإمام المهدي (ع) وابنه ووصيه ورسوله السيد احمد الحسن (ع)، انه سميع مجيب.

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد واله الأئمة والمهديين وسلم تسليماً

عن عبد السلام بن صالح الهروي قال : ( سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول : رحم الله عبدا أحيا أمرنا فقلت له : وكيف يحيى أمركم ؟ قال : يتعلم علومنا ويعلمها الناس فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا … ) عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 275.

وانطلاقاً من هذا المعنى ، ومن حب الخير والصلاح والهداية للناس ، وزيادة المعرفة للمؤمنين، اكتب شيئاً مما عرفته عن السيد احمد الحسن (ع) وصي ورسول الإمام المهدي (ع) واليماني الموعود، فأقول:

قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } ق 18.

هكذا عَرَفْتُهُ:

السيد احمد الحسن (ع) وصي ورسول الإمام المهدي (ع) واليماني الموعود، أول المهديين وطالع المشرق ، نجمة الصبح ودرع داود، سعد السعود وآية المعبود، سلام الله عليه وعلى آبائه وأبنائه ، كلما طلعت شمس وغربت وكلما هبت ريح وسكنت ، سلاماً دائماً لا ينقطع ما دام الجديدان وما تنفس انس وجان.

هكذا عَرَفْتُهُ:

ومنذ أول يوم عرفته والى الآن … صاحب القران لا يفارق القرآن ولا القران يفارقه …

منهمك في تلاوته وتدبر معانيه ، مفسراً ومؤولاً له ، يقضي معنا الليل حتى الصباح في شرحه وبيانه ودراسته … يحثنا دائماً على حمل القران وتلاوته وتدبره واستلهام العبر والحكمة من آياته وقصصه واتخاذه شعاراً ودستوراً ومنهاجاً ودثاراً.

لا يستعصي عليه شيء من تفسير القران أو تأويله وكأنه يغرف من بحر لا ينضب ، فلكل سؤال عنده جواب حاضر ، غواص في القران يستخرج لآلئه ويبحر في بواطنه وكأنها مودعة عنده منذ مئات السنين – وهو كذلك – ، لا يتشابه عليه شيء من القرآن ، فكله محكم عنده في كل آن، قال تعالى: { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ } العنكبوت49.

هكذا عَرَفْتُهُ:

مولع في حب أهل البيت (ع) وشيعتهم الأبرار، يترنم بذكرهم ليلاً ونهاراً، عندما تعاشره تجزم بأن هذا الرجل مجبول على حب أهل البيت (ع) لا يسقط ذكرهم عن لسانه ، فهو بين ذاكر لفضائلهم ومقاماتهم وكراماتهم وبين مبين وشارح لأحاديثهم وسيرتهم ونهجهم القويم، داعياً كل من يسمعه إلى التزام نهجهم وأخلاقهم وتطبيقها مسيرة وسلوكاً وواقعاً حياً بين الناس .. لا قولاً باللسان فحسب.

تراه اصلب ما يكون في وجه من يخالف القران وسنة الرسول (ص) وأهل بيته الأطهار (ع)، وإن كان المخالف من اقرب الناس إليه وأحبهم إلى قلبه، وإن كانت المخالفة بسيطة في نظر البعض … فلا يداهن في ذلك ولا يجامل .. بل يسعى جاهداً لتقويم أصحابه ومن يتصل بهم ومن يسمعون كلامه وفق القرآن وأخلاق آل محمد (ع) ، وكلٌ بما يناسبه ويكون أنجع في إصلاحه وتقويمه.

حريص دائماً وأبداً على وزن الناس بميزان سيرة محمد وآل محمد (ص) ومنهجهم وأوامرهم ونواهيهم وأخلاقهم ، فـ ( الثقلان ) هما كفتا ميزانه ولا ثالث لهما أبداً، فتجده دائماً منكراً لكل بدعة وانحراف ومخالفة للثقلين اللذين أوصى الرسول محمد (ص) بالتمسك بهما ، وأنهما سبيل النجاة لا غير.

فلا تجد عنده غير ( الآية والرواية ) وما عداهما فهو عنده باطل حتى يوافقهما أو يكون مستمداً منهما ، مشدداً النكير على إخضاع تشريع الدين الإلهي للعقول الناقصة والآراء والأهواء، مستنداً إلى ما تواتر عن أهل البيت (ع) في ذلك، وما يهتف به القران الكريم.

هكذا عَرَفْتُهُ:

مشغوفاً بزيارة الأضرحة المقدسة للأنبياء والمرسلين والأئمة الطاهرين وأصاحبهم المنتجبين، والتبرك بهم وبمقاماتهم عند الله تعالى، ولا سيما زيارة أمير المؤمنين (ع) والإمام الحسين (ع) وأخيه أبي الفضل العباس (ع) والجوادين والعسكريين (ع)، وكان مواظباً على زيارة الإمام الحسين (ع) مشياً على الأقدام حتى في زمن الطاغية صدام ( لعنه الله ) حيث كان منع هكذا زيارة شديداً جداً، وكان الأمر يصل أحياناً إلى القتل والسجن والتعذيب الشديد.

وكان يحثنا جميعاً على زيارة الأئمة (ع) والتوسل بهم إلى الله تعالى، وكان يعلمنا جوهر آداب الزيارة وحقيقتها، وما زلت أتذكره في أحد الأيام عندما ذهبنا إلى زيارة كربلاء المقدسة ، وعند دخولنا إلى ضريح الإمام الحسين (ع) رأينا السيد احمد الحسن (ع) لم يطل الدعاء عند رأس الإمام الحسين (ع)، ورأيته كئيباً جداً حزيناً ودموعه في عينيه، وعندما خرجنا من ضريح الإمام الحسين (ع) سألناه عن السبب أو هو قال لنا: بأنه عندما دخل إلى الحضرة الحسينية ، سمع صوتاً من الضريح يقول – ما معناه -: هذه الناس تطوف بي ولا تعرف حقي، وكلها تأتي لتطلب مني ولم يأتِ احد ليعطيني .

فيقول السيد احمد الحسن : عندها وقفت عند رأس الإمام الحسين (ع) واكتفيت بقولي : يا أبا عبد الله فداؤك نفسي وأهلي ومالي .. ثم انصرفت لصلاة الزيارة.

فعندها تعلمنا درساً بليغاً بل دروساً، في الهدف من زيارة الأئمة (ع)، ومنها أن تكون الزيارة كتجديد عهد وبيعة للمعصوم في بذل النفس والأهل والمال من اجل دين الله تعالى، وان يكون الزائر ناوياً وبصدق على السير في طريق الإمام الحسين (ع) ، طريق الشهادة ونبذ كل أشكال الطواغيت ، ولو كلفنا ذلك كل ما نملك حتى النفوس ، لان الإمام الحسين (ع) لم يترك عذراً لمعتذر ولا حجة لمحتج ، فقد قدم لدين الله نفسه وماله وجاهه وذريته حتى الرضيع وقدم زينب – وما أدراك ما زينب – تركها بين أنجس خلق الله بلا ناصر ولا معين ولا كفيل، تركها بين الذئاب الضارية بين شمر اللعين ويزيد الفاسق الماجن ، ويعز عليَّ كثيراً أن أتطرق إلى هذه المصيبة الكبرى، التي لابد للمؤمن أن يقف عندها ويذرف الدموع حسرة وحرقة على آل الرسول وما حل بهم بعد جدهم المصطفى ، وما جنته هذه الأمة في حقهم ، في حين أن الله تعالى جعل اجر الدين هو مودتهم وحبهم.

نعم .. تعلمنا أن زيارة الأئمة (ع) ليست فقط لطلب الحوائج بحيث يكون هم الزائر نفسه وما يتعلق بها .. بل أن الهدف الأسمى أن يذهب المؤمن ليعطي نفسه وما يملك لإحياء نهج الحسين وآل الحسين (ع) وان يعقد عقداً ويعهد عهداً بذلك، لا يحول عنه ولا يزول.

وأيضاً تعلمنا من السيد احمد الحسن: أن المؤمن قبل أن يذهب إلى زيارة مراقد الأئمة (ع)، ينبغي له أن يدعو الله ويتوسل إليه لكي يوفقه للزيارة حقاً ، زيارة مقبولة مفلحة ، تكون ذخراً ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، ثم يقدم على الزيارة.

وأيضاً تعلمنا من السيد احمد الحسن (ع)، أن زيارة الأئمة (ع) لا تعني فقط المشي إليهم واللطم والبكاء عليهم، بل أن زيارتهم (ع) كالصلاة ، قال تعالى: ( … إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } العنكبوت 45.

لا أن يمشي الزائر إلى الإمام الحسين (ع) وهو مبايعاً للطواغيت والظالمين ومحباً لهم وعوناً إليهم .. بل لابد أن يكون مصداقاً من مصاديق ثورة الإمام الحسين (ع) في وجوه الطواغيت والظالمين – وكل بحسبه وإمكانه – وحينئذ يكون قد زار الإمام الحسين (ع) بروحه وقلبه قبل أن يزوره ببدنه … أي يكون الإنسان قولاً وفعلاً باطناً وظاهراً زائراً للإمام الحسين (ع)، لأنه ( كم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه ) .. وكذلك كم من باك ولاطم وزائر للحسين والحسين يلعنه – أعاذنا الله – .

لأننا نقف أمام الحسين (ع) ونزوره بزيارة عاشوراء ونقرأ فيها:

( … فلعن الله أمة أسست أساس الظلم والجور عليكم أهل البيت ولعن الله أمة دفعتكم عن مقامكم وأزالتكم عن مراتبكم التي رتبكم الله فيها ، ولعن الله أمة قتلتكم ، ولعن الله الممهدين لهم بالتمكين من قتالكم برئت إلى الله وإليكم منهم ومن أشياعهم وأتباعهم وأوليائهم يا أبا عبد الله ! إني سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم إلى يوم القيامة ……. فأسأل الله الذي أكرمني بمعرفتكم ومعرفة أولياءكم ورزقني البراءة من أعداءكم أن يجعلني معكم في الدنيا والآخرة ، وأن يثبت لي عندكم قدم صدق في الدنيا والآخرة ، وأسأله أن يبلغني المقام المحمود لكم عند الله ، وأن يرزقني طلب ثأركم مع إمام مهدي ظاهر ناطق منكم … ) مصباح المتهجد للشيخ الطوسي ص 774 – 775.

فهل الزائر فعلاً وحقاً متبرئ من قتلة الحسين ومن ( أشياعهم وأتباعهم وأوليائهم ) إلى يوم القيامة ؟ وهل هو فعلاً صادق في قوله: ( إني سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم إلى يوم القيامة ) ؟ وهل هو حقاً صادق في دعائه ( وأن يرزقني طلب ثأركم مع إمام مهدي ظاهر ناطق منكم ) ؟!

إن لم يكن كذلك فلا يأمن أن يكون لاعناً لنفسه عندما يقول: ( فلعن الله أمة أسست أساس الظلم والجور عليكم أهل البيت ولعن الله أمة دفعتكم عن مقامكم وأزالتكم عن مراتبكم التي رتبكم الله فيها ، ولعن الله أمة قتلتكم ، ولعن الله الممهدين لهم بالتمكين من قتالكم برئت إلى الله وإليكم منهم ومن أشياعهم وأتباعهم وأوليائهم ).

فكل ارض كربلاء وكل يوم عاشوراء .. وفي كل زمن يزيد وشمر وشريح القاضي … فما هو موقفنا تجاههم ؟

وغير ذلك من الدروس والعبر السامية تعلمناها من السيد احمد الحسن في النهج الإلهي المحمدي العلوي الحسني الحسيني … المهدوي .. أن نرفض كل مظاهر الكذب والخداع والرياء والنفاق وان نكون صادقين في كل شيء وان تكون أقوالنا كأفعالنا وظاهرنا كباطننا، وإلا فنكون من الملعونيين والمطرودين من ساحة رحمة الله – أعاذنا الله من ذلك -.

هكذا عَرَفْتُهُ:

دائم الذكر للإمام المهدي (ع)، شديد الحزن عليه لما يلاقيه من مظلومية ونسيان حتى من قبل من يدعون أنهم شيعته ومنتظرون لظهوره وقيامه، ولم انسَ تلك الكلمات التي كان يرددها في أول أيام الدعوة اليمانية المباركة، نقلاً عن الإمام المهدي (ع): ( أنا منسي منسي منسي ، والقران مهجور مهجور مهجور ) !!!

كان يرددها بألم وحزن ولوعه، وكأنها فعلا تخرج من لسان الإمام المهدي (ع) مباشرة، بل كان حتى قبل إعلان دعوته منهمكاً في توجيه أنظار الناس ومن يتصل به نحو الإمام المهدي (ع) مبيناً لهم قرب ظهوره وما ينبغي أن تفعله الأمة لاستقباله والتمهيد له .. حتى أن البعض يقول له – ما مضمونه – : كأن لا شغل لك إلا ذكر الإمام المهدي (ع) … وكأنك وكيله … أو: لو كنت مكان الإمام المهدي (ع) لاخترتك وكيلاً … وما شابه ذلك.

بل أن احد طلبة الحوزة العلمية القدماء قال لي : كنا متأكدين أن السيد احمد الحسن يلتقي بالإمام المهدي (ع) ، وانه يتكلم بأمور كثيرة عرفها عن الإمام المهدي (ع)، ولكنه لا يصرح بذلك أبداً، وكنا أحياناً عندما يتكلم ببعض الأمور الملفتة للنظر، نقول له : هل هذا منه – نقصد من الإمام المهدي – ؟ فيسكت السيد احمد الحسن ولا يجيب.

وقال لي نفس هذا الشيخ: كنا عميان عن معرفة احمد الحسن ، وإلا فعطر آل محمد يفوح من هذا الرجل ، ولا يخفى إلا على العميان !

وقال لي أيضاً: كنا في بعض مجالس طلبة الحوزة العلمية أحياناً نتعرض إلى ذكر الإمام المهدي (ع)، فقلت لبعض الطلبة ، ماذا تتوقعون لو أراد الإمام المهدي (ع) أن يرسل رسولاً فمن يختار من طلبة الحوزة العلمية .. يقول: فقال احد الطلبة: فلاناً – احد طلبة الحوزة – . يقول فقلت له: لا . إذا أراد أن يرسل رسولاً يرسل احمد الحسن ( وكان هذا الطالب لا يعرف السيد احمد الحسن آنذاك )، يقول: فكلمتهم عن السيد احمد الحسن وعن تقواه وعلمه ودينه … ومدى تمسكه بالإمام المهدي (ع).

بل اني ذهبت في أول أيام الدعوة إلى بعض أصدقائي من شيوخ وسادة الحوزة العلمية ممن كان معاشراً للسيد احمد الحسن أو مطلعاً على بعض أحواله، وقلت لهم: إن هذا الرجل يقول انه رأى الإمام المهدي (ع) وقد أرسله رسولاً إلى الناس كافة وهو يطلب البيعة … فماذا تقولون ؟!

فكان مجمل جوابهم: إن هذا الرجل نعرفه ونعرف صدقه وأمانته وتورعه ودينه … فلا نقول انه كاذب .. لأنه لا يمكن أن يتعمد الكذب .. هذا نشهد به.

فقلت لهم: وما موقفكم ؟

فقالوا: نحن لا يمكن أن نصدقه الآن ونتبعه .. يجب التريث الآن، لأنه وان كان لا يمكن أن يتعمد الكذب ولكنه قد يكون مشتبهاً !

فقلت لهم: هو يقول بأنه التقى بالإمام المهدي (ع) في اليقظة يعني لا في رؤيا ولا كشف ولا خيال .. حتى يمكن أن يشتبه .. فإما أن يكون صادقاً أو كاذباً .. وانتم تقولون بأنكم تعرفونه صادقاً ورعاً … الخ.

هذا مجمل ومضمون ما دار بيني وبين بعضهم آنذاك .. وبقوا مترددين يقدمون رجلاً ويؤخرون أخرى .. وبعد ذلك بفترة .. وبعد أن شاعت القضية سمعت احدهم – وهو ممن أثنى على السيد احمد الحسن وشهد بصدقه – سمعته يتكلم على السيد احمد الحسن بكلام غير مقبول … فتعجبت من تناقض هؤلاء وتقلبهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وكان السيد احمد الحسن – قبل ان يعلن دعوته – قد كتب بعض الكتب عن الإمام المهدي (ع) وعن واقع الأمة وتكليفها تجاه الإمام المهدي (ع)، وكانت عبارة عن نسخ خطية تتداول بين بعض طلبة الحوزة العلمية آنذاك ، لعدم إمكانية الطبع وشدة مراقبة أزلام صدام لهكذا نشاط والمنع الصارم تجاهه، وقد وصلت بعض هذه الكتب إلى بعض كبار رموز الحوزة العلمية في النجف الأشرف وقد أعجبه ونصح بقرائته وتعميم فائدته بطبعه أو ما شابه ذلك.

هكذا عَرَفْتُهُ:

دائم التفكر محزوناً خاشعاً لله راجياً له ، كثير العبادة والسجود والدعاء والقنوت ، حتى اننا كنا نظن انه قد نام في سجوده ، محباً للخلوة في عبادته ومناجاته، مؤدياً للنوافل اليومية ، دائم الحرص على أداء صلاة الليل، ولا زلت أتذكره وهو يتململ تململ السليم في قنوته وركوعه وسجوده ، وهو يحاول جاهداً أن يكتم بكاءه ونحيبه عمن يسمعه، ولكن يغلبه البكاء وهو يقول بصوت تتفطر له القلوب – ما مضمونه -:

( اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، أنت أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني ، أو إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك ، أو يحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، لك العتبى حتى ترضى، لك العتبى حتى ترضى ).

فلا يكاد من يسمعه أن يملك دموعه، فتنزل قهراً وبحرقة ولوعة ، على مظلومية هذا العبد الغريب الطريد الذي تظاهرت عليه أعداؤه من كل جانب وهو لا يملك إلا ( لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ).

نعم .. والله العلي العظيم .. كنا عندما نصلي خلفه ونسمع دعاءه في قنوته أو ركوعه أو سجوده، كأنه يرتقي بنا في ملكوت السماوات ، وكنا نحس به ونعرف انه يتمنى أن يتعبد ويناجي الله لوحده، ولكن كان مضطراً أن يكون مع الأنصار في غرفة واحدة .. لان الوضع لا يسمح بذلك وكنا بصعوبة نحصل على مكان نبيت فيه أو نستقر فيه أياماً … وخصوصاً بعد أن علم فقهاء آخر الزمان وأتباعهم بانتشار الدعوة وكثرة أنصارها، ومدى خطورتها على دنياهم وجاههم المزعوم .. وبعد أن اطلعوا على أدلة الدعوة وإصداراتها العلمية التي لم تبقِ لهم عذراً ولا حجة يحتجون بها.

وأتذكر أني أكثر من مرة طرقت عليه الباب فجأة، فيفتح لي الباب وعيناه غارقتان بالدموع، رغم انه قد مسح دموعه ، ولكنها ما زالت بادية للعيان لا تخفى على الناظر.

وكان سلام الله عليه .. دائماً يحث الأنصار على المداومة على النوافل اليومية وصلاة الليل وبعض الأدعية المهمة كدعاء ( أبي حمزة الثمالي ) ودعاء ( الجوشن الكبير ) ودعاء ( الجوشن الصغير ) ودعاء ( الذخيرة ) وغير ذلك من الأدعية والأذكار والزيارات.

وكان أيضاً يحثنا على الحرص على قراءة القران الكريم وخصوصاً سورة ( يس ) وسورة ( النور ) وغير ذلك من السور المباركة.

وفي الحقيقة أجد الكلمات عاجزة عن وصف شدة خشوعه وخضوعه وخوفه من الله تعالى، وكثرة سجوده عند تجدد كل نعمة وطول سجوده عند كل شدة ومحنه، ورجوعه إلى الله تعالى وفزعه إليه.

هكذا عَرَفْتُهُ:

شجاعاً مجاهداً مقداماً لا يخاف في الله لومة لائم وان اجتمعت عليه الإنس والجن، فلا يعرف إلا ( لا قوة إلا بالله )، فكم مرت به من الشدائد العظام والمحن الجسام ، فلا نراه إلا كالجبل الشامخ لا تثنيه العواصف ولا يستفل بالمعاول، فقد تعرض في دعوته إلى ردتين رجعت بهما الدعوة اليمانية إلى الصفر وتركه جميع من آمن به إلا نفر يسير جداً، ومع ذلك لا نراه يضعف أو يتردد بل لا يزداد إلا إقداماً وعزيمة وكأن شيئاً لم يكن ، ثابت اليقين بأنه على الحق ومن الحق والى الحق ، راسخ الإيمان بأن الله معه وناصره ولو بعد حين، لا يحسب حساباً لكثرة الأتباع والأنصار إلا حباً في هداية اكبر عدد من الناس، وكأني الآن انظر إليه وأتذكره بعد الردة الثانية وهو جالس مع نفر قليل ممن بقي معه وهو يقول لهم بصوت كله ثقة وإيمان وطمأنينة: لماذا انتم باقون معي ؟ لماذا لا تذهبوا مع الذاهبين ؟ ارجعوا إلى أهليكم ؟ فإن طريقي صعب جداً ، ربما لا تستطيعون تحمله ، ليس معي دنيا ولا جاه ولا أموال ولا .. ولا .. ولا …، احسموا أمركم من الآن … من أراد الدنيا وزينتها فهي ليست مع احمد الحسن، أنا أواصل طريقي حتى لو كنت وحدي … ( هذا هو مضمون كلامه (ع) حينئذ ) فقال له بعض الحاضرين: مولانا لم نتبعك من اجل دنيا أو مال أو جاه بل لأننا عرفناك صاحب الحق، وأرواحنا وأموالنا لك الفداء لا نتركك ولا نرجع إلى أهلينا .. ونحن طوع أمرك.

فكان سلام الله عليه لا يبالي بكثرة أعدائه مع ما لهم من نفوذ وأتباع وهالة إعلامية ضخمة ، وكأن ذلك لا يعادل في عينه جناح بعوضة – بل هو كذلك – ففي كل شدة وفي كل محنة تجده ملتجئاً إلى ركن وثيق وحصن حصين وعروة وثقى لا انفصام لها، يمشي ومعه اثنان أو ثلاثة ولكنه يمشي مشية مَنْ معه جنود السماوات والأرض، دؤوب لا يفتر ولا يكل ولا يمل من السعي لهداية الناس وانقاذهم من الضلال والانحراف، يجوب المدن والقرى والأرياف ، فيمسي في مدينة ويصبح في مدينة أخرى وهكذا.

وكم تعرض هو وأنصاره للاستهزاء والبهتان والكذب والافتراء من قبل من لا يخافون الله تعالى أمثال فقهاء السوء وأتباعهم وغيرهم، استهزاء وافتراء لا يقف عند حد ولا يمكن أن تصفه الكلمات بحيث وصل إلى الطعن بالأعراض والاتهام بالعمالة … إلى غير ذلك مما استحي أن اسطره في هذه الأسطر، فتجده سلام الله عليه أحياناً يقول : مال هؤلاء الفقهاء يفترون ويكذبون بلا ورع .. أي برهان لديهم على ذلك .. ألا يخافون الله .. أ ليس ورائهم حساب ألا يستحون من الكذب والبهتان ولحاهم قد ملأها الشيب وهم يلبسون لباس الدين؟! لماذا يخدعون الناس ويغررون بهم ويقطعون طريق الله فلا هم يدخلون ولا يتركون الداخلين يدخلون !!

قد خدعوا الناس وساروا بهم إلى وادٍ مقفر حيث لا كلأ ولا ماء .. فوالله لو يعلم الناس أي حرمة انتهكوا وأي جرأة اجترؤوا على الله … للطموا الصدور ولأسبلوا دمع العيون ولعضوا على أصابعهم حسرة وندماً لا ينقطع … ولكن هيهات سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً ( وما آمن معه إلا قليل ) وأكثرهم كافرون وأكثرهم فاسقون وأكثرهم لا يعلمون وأكثرهم للحق كارهون … وأهل الحق دائماً ثلة مستضعفون خائفون وجلون.

نعم أخوتي الأنصار ويا من تقرؤون أو تسمعون كلامي ، هذه مضامين ما أتذكره من بعض كلماته المقدسة في بعض المواقف.

بل أحياناً عندما يسمع التعدي على الأنصار واتهامهم واتهام أعراضهم والافتراء عليهم بأنهم ( بعثيون ) أو ( عملاء لإسرائيل ) أو ما شابه ذلك مما هو تهمة جاهزة لدى من لا يخافون الله تعالى .. فأحياناً يلتفت إلينا معتذراً وهو يقول: اعتذر … فقد سببت لكم أذى كثيراً ، ولكن اقرؤوا التاريخ وتفحصوا سيرة الأنبياء والأئمة (ع) وأصحابهم فلا تجدونهم إلا مثل حالكم وأكثر.

فكان سلام الله عليه مع شدة ما يلاقيه من الناس … يحثنا على الرفق بهم وبيان الحق لهم بالتي هي أحسن .. ودائماً كان يقول : هؤلاء أكثرهم مخدوعون ومغرر بهم ولا يعرفون الحقيقة .. فاسألوا الله لهم الهداية … فإن الآتي عظيم وعظيم جداً.

هكذا عَرَفْتُهُ:

غيوراً أبياً … تقوم قيامته إن رأى أو سمع الاعتداء على الأعراض والحرمات، لا يسمح لأحد أن يمس أعراض الناس بالباطل أبداً ، واعتقد أن كل الأخوة الذين عاشروه يتذكرون حاله، عند فضيحة سجن ( أبو غْريْب )، عندما عرضت الفضائيات أمام كل العالم كيفية اعتداء جنود الاحتلال الأرجاس على النساء المسلمات وعلى الرجال أيضاً، حيث التعذيب المشين والاغتصاب وغير ذلك مما لا أستطيع أن أكتبه الآن .

فكان سلام الله عليه كالأسد الغضبان الذي يرى الاعتداء على عياله وهو لا يستطيع أن يفعل شيئاً، فكان يتقطع ألماً وحسرة ، وما كان بيده في أمثال هذه المواقف إلا أن يبادر إلى كتابة بيان يخاطب به الشرفاء ويستنهض هممهم ويقرع الجبناء الذين رضوا أو سكتوا على هذه الجرائم المشينة التي سودت صفحات التاريخ بالعار والشنار.

نعم .. هذه الفضيحة وغيرها العشرات .. لم تحرك جمود فقهاء السوء ، ولم تستنهض ما بقي عندهم من غيرة وحمية – إن كانت هناك بقية – ، وكأن الأمر لا يعنيهم أبداً، وكأنهم لم يسمعوا أو يقرؤوا قول الرسول محمد (ص)، هذا القول الذي طالما تمثل به السيد احمد الحسن (ع):

عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله – كان إبراهيم – عليه السلام – غيوراً وأنا أغير منه وجدع الله أنف من لا يغار من المؤمنين و المسلمين ) الكافي ج 5 ص 536 .

وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال ( إن الله تبارك وتعالى غيور يحب كل غيور ولغيرته حرم الفواحش ظاهرها وباطنها ) الكافي ج 5 ص 535 – 536.

وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أيضا انه قال: ( إذا لم يغر الرجل فهو منكوس القلب ) الكافي ج 5 ص 536.

نعم جدع الله أنف من لا يغار .. ومن لا يغار فهو منكوس القلب – أعاذنا الله من ذلك -.

هؤلاء الفقهاء الذين يدعون أنهم أولياء أمور المسلمين ، لا يعرفون المسلمين إلا عند استلام الخمس أو عندما يريدون أن ينفذوا بهم أمراً معيناً كتمرير مشاريع أمريكا في العراق وفي غيره من بلاد المسلمين، وفي تسليط الطواغيت والعملاء والخونة على الأمة، وبعد ذلك يرمون الناس في المهملات .. وكأن الناس مجرد عود ثقاب بعد استعماله لا يبالي المستعمل في أي مكان يرميه ، وبعدها حتى لا ينظر إليه.

فنجد هؤلاء الفقهاء عندما يتأزم موقف أمريكا ومشروعها .. وعندما تحضر انتخابات أو تصويت على دستور وضعي شيطاني .. نراهم يبرون أقلامهم ويملؤون قراطيسهم بتلك الفتاوى التي دائماً مطلعها ( يجب شرعاً ) : ( الهدوء والسكينة )، ( المشاركة في الانتخابات )، ( التصويت على الدستور ) .. إلى غير ذلك مما يصب في مصلحة أمريكا وأذنابها الذين دخلوا العراق على دباباتها.

ولكن أمريكا وأذنابها عندما يهتكون الأعراض ، وينتهجون نهج فرعون وقوم لوط وعاد، نرى تَكسُّرَ أسنة الأقلام ، والصمت المريب ، الذي هو كصمت القبور .. وهنا يحق لكل عاقل أن يسأل ألف سؤال وسؤال .. لماذا ؟؟ ولماذا ؟؟ ولماذا ؟؟؟

وأتذكر أحد الأيام كنا جالسين أمام التلفاز نستمع إلى نشرة الأخبار، وكان في النشرة مداهمات الجيش اللاعراقي لبعض البيوت في كربلاء المقدسة ، وأعلنوا عن الاعتداء السافر على الحرمات والأعراض .. وأظهرت تلك القناة احد النساء قد اعتدى الجنود عليها بالضرب بلا ذنب .. وخرجت وهي تبكي منكسرة الخاطر واثر الضرب على وجهها – حسب ما أتذكر – فعندها رأينا السيد احمد الحسن (ع) قد قامت قيامته وكأن هذه المرأة هي ابنته فعلا، واخذ يتكلم بقوة وبصوت عال وبألم وحرقة ، حتى أني استغربت من شدة انفعال السيد (ع) حتى أنه صار يضرب يداً بيد، ويقول: الله اكبر ما ذنب هذه المسكينة تضرب وتهان .. هؤلاء أ ليس عندهم أعراض .. أليس عندهم نساء وأخوات وأمهات .. لماذا هذه القسوة وهذه الخسة .. أين وصل الحال بهؤلاء ؟! فإن كان للرجال ذنب .. فما ذنب النساء ؟!!!

وكان يتمثل ببعض كلمات الإمام الحسين (ع) هذه: ( إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم أنا الذي أقاتلكم وأنتم تقاتلونني والنساء ليس عليهن جناح ).

هكذا عَرَفْتُهُ:

كريماً سخياً جواداً .. حنين القلب رحيماً رؤوفاً بالفقراء والمساكين والأيتام ، عندما يقول: ( يتيم ) أو ( مسكين ) أو ( أرملة )، اشعر بأنها تخرج من أعماق قلبه ممزوجة بالحزن والأسى، وكان يوصينا دائماً بالعطف على الأيتام والفقراء والمساكين وان نساعدهم بما نتمكن منه، ورغم قلة ذات اليد وما يمر به من عوز مادي شديد جداً .. نراه قد عال بعض الأيتام الفقراء وتكفل أن يوصل إليه مبلغاً معيناً كل شهر عن طريق بعض الأنصار، رغم أن هؤلاء الأيتام ليسوا ممن يؤمن به أي ليسوا من أنصاره .. ولكنه بغض النظر عن هذا .. يرى أن مسألة اليتيم والأرملة مصيبة يجب علاجها بغض النظر عن أي شيء آخر.

وكنت دائماً عندما أنظر إليه، أتذكر قول دعبل الخزاعي للإمام الرضا (ع):

أرى فيئهم في غيرهم متقسماً * * وأيديهم من فيئهم صفرات

لأني أقسم جازماً لو كان السيد أحمد الحسن (ع) يملك عشر العشر مما عند فقهاء السوء من الأموال لما ترك أرملة أو مسكيناً أو يتيماً يتسول في الشوارع والأزقة يبذل ماء وجهه من أجل الحصول على لقمة تسد ألم الجوع والحرمان الذي أخذ منه مأخذاً.

وأن أردت التكلم عن السيرة المالية لفقهاء النجف ، فالحديث ذو شجون ويدمي العيون، فنحن نعلم جازمين بأن أكداس الأموال عندهم بلا حصر ولا عد، وأنهم وأتباعهم والمقربين منهم وحواشيهم يعيشون حياة الملوك المترفين، وما ينفقونه في يوم واحد على ملذاتهم وحاجاتهم ربما يقتات به عشرات العوائل الفقيرة، حيث كانت بيوتهم مغلفة ومزخرفة بالحجر الفاخر لا تعرف برد الشتاء ولا حر الصيف وغير ذلك مما لا حصر له.

وكنا في النجف الأشرف عندما نتنقل بين المساجد لحضور دروسنا في الحوزة العلمية، كنا نرى الفقراء والمساكين والأرامل والزمنى والمعوقين كيف هم بين جالس ونائم على الأرصفة قرب أمير المؤمنين (ع) منهم من اتخذ من حائط الصحن الشريف الخارجي مسكناً عسى أن يقيه من حرارة شمس الصيف وبرودة شتاء النجف القارص .. بل ما زلت أتذكر تلك العجوز المسكينة النحيفة التي تكاد لا تقوى على الحركة قد افترشت رصيف شارع الرسول ( شارع القبلة ) بالقرب من مكتب ومسكن السيستاني ، صيفاً وشتاءً ، وهي تكسر القلب ، تكاد لا تحصل على ما يسد رمقها … ولا زلت أتذكر لحافها الذي تلتحف به في الشتاء، شتاء النجف الذي يمتاز بشدة برودته، بحيث كنا نسرع المشي في الشوارع لكي نصل إلى المساجد ونتخلص من ذلك البرد القارص، في حين أن هذه العجوز المسكينة وغيرها الكثير في العراء، في أحسن الأحوال يلتجئون إلى حائط صحن أمير المؤمنين من الخارج يلوذون به .. وكأن كافل المساكين واليتامى يجرهم بحنين قلبه الرؤوف إليه … ليعطف عليهم زواره بكسرة خبز أو بما يعينهم على جحيم حياتهم.

نعم كل هذا يجري على مرأى ومسمع فقهاء النجف ووكلائهم وأتباعهم وطلابهم .. وهم يمرون عليهم .. وكأني أنظر الآن إلى ذلك المعمم الذي وصل إلى مسكين مريض قد اجتمع عليه الذباب .. فعندما فوجئ بأنه بقرب هذا المسكين لملم عباءته وانحرف بسرعة كأنه مر على كلب أجرب يخاف أن يعديه .. فنظرت إلى هذا المشهد .. فانكسر قلبي وتأذيت جداً .. ولكن ما الحيلة وما عسى الإنسان أن يفعل وهو يرى أن يده قصيرة لا تستطيع أن تصل بالعون إلى هؤلاء المساكين ، وغاية ما كنا نستطيع فعله أن نعطيهم بعض المال الذي قد يساعدهم ولو على اليسير من عيشهم.

وأيضا ما زلت أتذكر ذلك الطفل الذي يحمله أبوه أو احد أقاربه وهو بعمر سنتين أو أكثر بقليل، يحمله أبوه وهو واقف في باب مكتب السيستاني ، وهذا الطفل قد اخرج الآن من المستشفى وقد يبس جلده على عظمه ، وأبوه يحمله بيد ورافع له كيس المغذي باليد الأخرى، وهو يقول لبواب السيستاني – هذا البواب الذي كان يسميه بعض طلبة الحوزة بـ ( عبد حمود ) لقسوته وجفوته وسوء أخلاقه – يقول له: لقد أخرجت ابني هذا الآن من المستشفى ، ولقد بعت حتى أثاث منزلي وكل ما املك من اجل علاجه .. والآن نفد كل ما عندي .. فإما أن يموت وإما أن تساعدوني لأنقذ حياته ؟

فقال له البواب : هل عندك معرِّف ؟

فقال له : معرِّف ماذا ؟

قال البواب: معرِّف .. وكيل أو ما شابه يزكيك لكي نساعدك ؟

فقال له الرجل: أنا لا اعرف أي وكيل أو شخص يعرِّفني إليكم .. ولكن انتم تنظرون إلى حال هذا الطفل وهذه أوراق المستشفى والدكتور كاملة .. وان شئت اذهب معي إلى المستشفى لترى وتتأكد بنفسك.

وكان والد الطفل يتكلم بأسلوب منكسر .. لأنه يرى ابنه شارف على الموت بين يديه.

فقال له البواب: نحن لا نعطي إلا من لديه معرِّف أو مزِّكي .. اذهب.

فرجع هذا الرجل وابنه جنازة بين يديه .. وهو مكسور الخاطر … ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وأيضا أتذكر ذلك الرجل المسن الذي أراد أن يدخل باب مكتب السيستاني فضربه بواب السيستاني ودفعه .. فقال له : ( خصيمك أمير المؤمنين .. أنا بعمر والدك وتضربني ) وعندها جاء رجال الأمن الذين في باب السيستاني واخذوا الرجل واعتذروا منه وطيبوا خاطره .

فقلت سبحان الله حتى هؤلاء أعوان الطاغية صدام رحموا هذا الرجل ، و ( عبد حمود ) قلبه كالحجر لا يرحم أحداً ؟!!

هذه بعض القصص التي رأيتها بعيني وأما ما سمعت به وما رآه غيري فلا تسعه المجلدات ، من مصائب تدمي القلوب وتقرح العيون، مرضى يموتون بسبب عدم الدواء .. مساكين يتضورون جوعاً … يتامى يفترشون الشوارع والأرصفة.

ومما سمعته من أحد أصدقائي .. أن هناك عائلة علوية في النجف الأشرف فيها عدة نساء في عباءة واحدة .. عندما تصلي أحداهما بهذه العباءة تنتظر الأخرى لكي تنتهي أختها من الصلاة لتصلي بنفس تلك العباءة !!!

وفي عام ( 2003 م ) بعد سقوط نظام صدام اللعين بشهر أو أكثر بقليل .. كنت امشي في النجف الأشرف في شارع الرسول بالقرب من منزل ومكتب السيستاني، متجهاً نحو أمير المؤمنين (ع)، فصادفني شاب ، وقال لي: السلام عليكم.

قلت له : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

قال لي: هل تعرف مرجعاً غير هذا – يقصد السيستاني – ؟

قلت له : لماذا ؟

قال لي : أنا كنت في دور الرعاية – لقيط – وبعد سقوط النظام أخرجونا من تلك الدور ، والآن لا اعرف أهلاً ولا ملجئاً التجئ إليه وليس عندي ما يسد حاجتي من أكل وملبس ، وقد ذهبت إلى مكتب السيستاني هذا ، وقال لي البواب : ( نحن لا نتعامل مع هكذا أشكال ) !!!

فوقفت متحيراً وأنا انظر إليه وهو يكسر القلب ، وقلت في نفسي إذا كان أبوا هذا الشاب قد أذنبا فما ذنبه هو .. وكيف يسمعونه هكذا كلام جارح ومؤلم ؟!!!

وقال لي: أرجو أن تذهب معي إليهم أو إلى غيرهم لكي يساعدوني – قال لي ذلك لأنه رآني البس العمامة -.

فقلت له: حبيبي أنا لست وكيلاً ولا مقرباً منهم ولا يأخذون بتزكيتي ولا يلبون طلبي ، بل أنا إن طلبت منهم مساعدة لنفسي لا يعطوني .. ربما إلا بعد اللتيا والتي.

فألح عليَّ .. فقلت له أنا سمعت بأن مكتب الشهيد الصدر، هم الآن متولون على أموال ضريح أمير المؤمنين وهم يوزعونها على الفقراء المساكين وأظن أنهم لا يشترطون مزكياً أو ما شابه .. فاذهب إليهم.

فقال لي : ربما أيضاً يطردونني ولا يعطوني شيئاً ؟

فقلت له : لا .. أنا اعرفهم .. فهم أفضل من غيرهم بكثير .. وسيعطونك إن شاء الله.

فقال لي لا اعرف أين هم ؟

فأشرت له نحو مكتبهم والذي هو في ( مسجد الرأس ) الذي بجانب مقام أمير المؤمنين من جهة الغرب … فذهب إليهم.

وقد رأيت بعيني أكثر من مرة، بل هو مظهر مألوف .. كيف أن أطفال الفقراء يقتاتون على المزابل على بعد أمتار من ضريح أمير المؤمنين (ع)، أي في وسط الحوزة العلمية .. يقتاتون على المزابل التي تزكم رائحتها الأنوف .. فيستخرجون منها بعض ما يؤكل ممزوجاً بالأوساخ … في منظر يدمي القلب والله العلي العظيم.

ولكن أسمعت لو ناديت حياً .. ومن أين لمن كان همه بطنه أن يحن على الفقراء والمساكين والأيتام ؟!!!

وعلى أي حال فالقصص كثيرة جداً وما ذكرته غيض من فيض، ولا يتصور احد أن سوء العدالة المالية مقتصرة على عوام الناس وعلى الفقراء والمساكين واليتامى والأرامل .. بل حتى على أكثر طلبة الحوزة العلمية … فكل مرجع يقرِّب حاشيته ومريديه ومؤيديه من طلبة العلم ويغدق عليهم الأموال بلا حساب .. وأما غير هؤلاء فسبيلهم العناء والجوع والعوز .

فمثلا … مقلدو السيد الشهيد الصدر ( رحمه الله ) كان أكثرهم إن لم اقل كلهم لا يعطيهم احد راتباً ولا مساعدة .. وان أعطوهم فهو من فتات موائدهم ولا يعادل عشر معشار ما يعطوه إلى أتباعهم ومؤيديهم، وكان بعض طلبة الحوزة العلمية في المدارس يضطرون إلى أكل الخبز اليابس الذي تفوح منه رائحة العفونة … وهذا ما شاهدته بعيني .. ولعل كاتب هذه الأسطر قد أكل منه .. في حين إلى جانب هؤلاء الطلبة الجياع – والذين لا يملكون حتى ما يشترون به كتاباً منهجياً للدراسة .. وكنا نعتمد فقط على الاستعارة .. واستعارة لكتب مستنسخة بالكاد نستطيع قراءة بعض الأسطر والكلمات – إلى جانب هؤلاء وفي نفس المدرسة .. الطلبة الذين هم مؤيدون للسيستاني أو للحكيم أو للنجفي .. تجدهم لا يحتاجون إلى شيء من كتب مذهبة وغير ذلك من الاحتياجات.

وخارج المدارس الطلبة الذين يسكنون مع عوائلهم في بيوت منفصلة ، فهؤلاء حدث ولا حرج عن سوء حالهم .. فأكثرهم ربما في السنة لا يستطيع أن يشتري لزوجته أو لأطفاله ملابساً للعيد أو ما شابه ذلك.

وفي الحقيقة كانت سعادتي لا توصف رغم صعوبة الظروف .. لشيء واحد .. وهو أني اعلم بأني ابغض أهل الباطل والانحراف ولا أقيم لهم وزناً مهما كانوا …

واحتقر كل من كان همَّه بطنه – كالبهيمة – ولا يبالي مع من يكون .. إذا سلمت له دنياه الرخيصة ، بحيث يبيع دينه ومبادئه وضميره من اجل حفنة أموال .. وهو يظن انه قد فاز بالحظ الأوفر !!!

فالمجتمع الحوزوي في النجف الأشرف يمثل الطبقية في أعلى مستوياتها ، وقد اعتادوا إطلاق مصطلح ( الشأنية ) ، أي مثلاً أن الطالب الفلاني الذي هو وكيل أو مقرب أو متقدم لديهم في مستواه العلمي أو ما شابه .. فكذا طالب أو وكيل من شأنه أن يسكن في بيت كذا ومن شأنه أن يركب كذا ومن شأنه أن يكون عنده كذا … الخ، وغير هؤلاء ليس من شأنهم .. وبهذه المهزلة يريدون أن يبرروا تنعم مقربيهم وحواشيهم وبذخهم وترفهم على انه بمسوغ شرعي وهو ( الشأنية ) ، أي أن هؤلاء أصحاب شأن ومقام رفيع .. وكأنهم شعب الله المختار، وطبقة النبلاء وما دونهم عبيد أو لا ينبغي لهم أن يعيشوا كما يعيش أصحاب الشأن !

متغافلون عن أن هذا هو عين الطاغوتية والاستبداد ولا يمت بصلة إلى سيرة الرسول محمد (ص) ولا سيرة أمير المؤمنين والأئمة من ذريته (ع) .. فقد ساوى أمير المؤمنين (ع) بالعطاء بين الجميع ولم يستمع إلى من أشار عليه باتباع سيرة معاوية في التفريق بالعطاء .. ولا يخفى ما جرَّ ذلك على أمير المؤمنين (ع) من انقلاب أهل الدنيا ضده وتأليب المنافقين عليه.

سيقول لك الآن من يدافع عن الفقهاء : بأن رواتب الحوزة محددة للطلاب بلا تفاوت.

أقول: بل مقدار الراتب عندهم متفاوت حسب المرتبة العلمية التي هي خاضعة لمناهجهم، وبغض النظر عن ذلك فإن الطالب لكي يحسب له راتب عندهم يجب أن يدرس عند أساتذة معينين ترتضيهم حاشية المرجعية ويجب أن لا يكون ممن يقول للمرجعية وأتباعها في عينكم قذى .. وأما غير ذلك فيقضي سنيناً في الحوزة يذوق شتى أنواع المرارة من العوز المدقع ومن النادر أن يكون له راتب إلا بعد اللتيا والتي .. بل لا يكون له راتب أبداً حتى يغض النظر عن عيوب المرجعية وسياساتها المنحرفة عن منهج أهل البيت (ع) ويكون تحت عباءتهم ، أو يبقى يرى ولا يتكلم ويكتم ما في نفسه حتى يلقى حتفه . أما أن يكون الطالب لا يداهن ولا يسكت عن قول الحق .. ومع ذلك يحسب له راتب .. فهذا من نوادر الزمن.

وأنا شخصياً اعرف احد الطلبة حسب له راتب ومساعدات منذ أول شهر أو شهرين من دخوله للحوزة … ربما تسألون لماذا ؟

الجواب: لأنه من مقلدي السيستاني وجاء بتزكية من وكيل السيستاني ( فلان ) !!!

ومثله الكثير الكثير .. والمسألة لا تتوقف على الراتب المسمى بالنسبة للمقربين والحاشية والمحسوبين على المرجعية ومن لديهم وساطات .. بل الذي يأتيهم ( من تحت العباءة ) لا يعد ولا يحصى .. بحيث في فترة ليست بالطويلة ترى هكذا الطالب اشترى أو بنى بيتاً وأثثه و .. و .. و .. من أين ؟! طبعاً من الأموال الشرعية التي هي ملك للإمام المهدي (ع) وتسلط عليها هؤلاء .. وبدل أن تصرف على مستحقيها من اليتامى والمساكين والأرامل .. تجد طريقها إلى أكراش هؤلاء بيسر وسهولة وتجد احدهم كأنه عذراء داخل شرنقة !

وأما الوكلاء والطلبة الذين يجوبون البلاد لجمع الخمس .. فلهم حصة ( نسبة ) ثابتة مما يجمعوه ( نصف ) أو ( ثلث ) أو ( ربع ) .. على اقل تقدير .. فكلما اجتهد الطالب والوكيل في جمع اكبر مبلغ من الخمس من التجار والفلاحين بل وحتى من الفقراء .. كلما زادت نسبته وحصته .. فقد تجد الطالب يصعد المنبر ويجعل الجحيم قاب قوسين أو أدنى عن رؤوس هؤلاء المساكين الذين يكدون ويشقون في جمع قوتهم .. لماذا ؟ لأنهم لم يدفعوا الخمس .. وقد تجد نيته انه كم سيجمع من أموال الخمس وكم ستكون منها حصته، فان استطاع مثلاً أن يجمع خمسة ملايين فحصته منها على اقل تقدير ( مليون ) وإذا كان المرجع يحسب له الثلث أو النصف فستزيد حصته على المليون بكثير !!!

فتجد الناس وبحسن نية يدفعون أموالهم إلى هؤلاء الوكلاء على أنها ستصل إلى مستحقيها الشرعيين وهم لا يدرون أنها سيقع ربعها – على اقل تقدير – في بطن هذا الوكيل .. وسيأتي لهم بوصل مختوم من المرجع بأنه قد استلم المبلغ كاملاً !!!

ويرجع هذا الوكيل إلى بيته يفتل بشاربه ممتلئ نشوة وسروراً .. في حين انه قد سرق أموال الفقراء واليتامى الذين ربما يمر بهم في طريقه وصرة أموالهم بيده .. يراهم على الأرصفة في حالة يرثى لها .. وربما لا يطيق النظر إليهم !!!

ولا ندري ما هو المسوغ الشرعي لهذا المكر والخداع الذي يستحي الإنسان أن يتكلم به لولا وجوب قول الحق ووضع النقاط على الحروف وبيان السيرة العثمانية في آخر الزمان.

ففي هذا الظرف وهذا الفساد المالي الشنيع .. قام السيد احمد الحسن (ع) باحتجاج قوي جداً ضد هذا الفساد المالي وقد أيده كثير من طلبة الحوزة العلمية على ذلك آنذاك وحدثت ضجة في الحوزة العلمية تدخل فيها بعض كبار رموز الحوزة .. لأن أخبار هذا الاحتجاج وصل حتى إلى بعض محافظات العراق ولم يقتصر على النجف فقط .. وسمعت الناس بأن هناك شخصاً ومعه مجموعة من الحوزة العلمية قد احتجوا واعترضوا بقوة على الفساد المالي لدى الحوزة العلمية في النجف الأشرف، وأنا شخصياً كنت ممن عاصر هذا الاحتجاج وكنت اسمع بأخباره أول بأول وكنت من مؤيديه ومن الرافضين بشدة لهذه السياسة المالية الشنيعة.

ومن الطريف المضحك .. ( وشر البلية ما يضحك ) أني قرأت قبل أيام لأحد أبواق المرجعية والمنتفعين منها يقول: إن احمد الحسن ومن أيده احتجوا على السياسة المالية للمرجعية لان المرجعية لا تعطيهم راتباً … !!!

ولا يدري هذا المغفل بأن السيد احمد الحسن (ع) كان معروفاً لكل من عاشرة في الحوزة بأنه يمتنع أصلاً أن يستلم راتباً أو مساعدة من المراجع لعدم العدالة عندهم في توزيع الحقوق الشرعية ، وان كثيرا من الذين أيدوا السيد احمد الحسن في اعتراضه هم ممن تحسب لهم رواتب من المراجع وبعضهم ذهب وألقى ( كارت ) الراتب في وجه السيستاني ومكتبه ، ورفض أن يستلم راتبه أبداً .. احتجاجاً على الفساد المالي عندهم .. عسى أن يحرك ضمائرهم ولو نسبياً وعسى أن يردهم عن غيهم.

أي أن هؤلاء المحتجون لم يحتجوا من اجل أنفسهم فقط بل من اجل غيرهم ومن اجل الفقراء والمساكين والمظلومين .. وإلا كما قلت ان كثيراً منهم لهم رواتب ومعروفون لدى مكاتب المراجع .. ولكن قاتل الله الحسد والحقد والتعصب الأعمى ماذا يعمل بصاحبه !!!!

وبعد هذا الاحتجاج الذي قاده السيد احمد الحسن (ع) .. حصل تحسن بسيط في السياسة المالية لدى المراجع .. ولكنه يبقى محدوداً جداً … وتبقى حواشي المراجع والمقربون إليهم في ترفهم وبذخهم على حساب الآخرين ممن سحقهم العوز والفقر.

والكلام في هذا الموضوع طويل جداً وذو شجون نتركه الآن وربما تأتي له مناسبات أخرى إن شاء الله تعالى.

هكذا عَرَفْتُهُ:

متواضعاً اشد التواضع وقد عشت معه سنيناً ، فكان بيننا كأحدنا ، بل يخدمنا في كثير من الأحيان ، ولا يمتاز عنا لا بمأكل ولا ملبس ولا مجلس … بل نحن نلبس أفضل منه ، وكان يقدمنا عند الدخول إلى أي مكان ندخله، أو سيارة نستقلها ، ولا يرضى عن احد يقدمه على بقية الأنصار، وكان دائماً يقول أنا أخوكم وخادمكم ونحن جميعاً نسير إلى رضى الله تعالى ، فأنا جئت لأخرجكم من الصنمية فلا تجعلوني صنماً، وكان سلام الله عليه يتضايق جداً عندما يعامله بعض الأنصار معاملة خاصة ويفرِّق بينه وبين الأنصار عند السلام والمصافحة مثلاً وما شابه، وأيضاً كان دائماً يقول: ( لا تشغلنكم العلامة عن الهدف والغاية الذي تشير إليه فالأئمة والحجج علامات على طريق الهدى والحق .. فلا تُقْصِروا نظركم على العلامة وأيضاً لا تظلموا العلامة حقها ).

كان سلام الله عليه بسيط الملبس والمجلس ، يستأنس بالجلوس والسجود على التراب ويعتبره رزقاً من الله إن وجده، وكان إذا قُدَّ ثوبه أو رداءه يقول : الحمد لله الذي رزقنا الاقتداء بأمير المؤمنين (ع).

وكنا قد قضينا هذه السنين معه أكثرها في السفر بين محافظات العراق للتبليغ والتعريف بالدعوة اليمانية ، فكان يخدمنا في كل أسفارنا .. فإذا أصاب السيارة عطل ما ، كان هو من يصلح ذلك العطل مع ما يرافق ذلك من افتراش التراب تحت السيارة والاتساخ بزيت المحرك وما شابهه ، كان يعمل ذلك لسنين وبكل سجية وبدون أي تكلف يذكر .. وكان أيضاً يشارك الأنصار في غسل الأواني بعد الانتهاء من الطعام ويشاركهم أيضاً في تحضير الطعام إن كنا في احد الحسينيات.

وكان دائماً يتمثل بكلام نبي الله عيسى (ع): ( بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر ، وكذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل ).

وكان يحثنا على محاربة الأنا بقوله : ( إن الله قدوس لا يقرب إلا قدوس فتقدسوا لكي يقربكم الله )، معه ومنه عرفنا حقيقة التواضع وحقيقة الدين، فقد تعلمنا منه أن الإنسان كلما نظر إلى نفسه وانشغل بها وأعجبه حاله كلما قل مقامه عند الله تعالى حتى يصل إلى مقام إبليس لعنه الله ( أنا خير منه )، وكان يقول من يريد أن يكون من أنصار الإمام المهدي (ع) حقاً وصدقاً فلابد أن يكون من مصاديق قوله تعالى: { تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } القصص83 .

أي لا يخطر في بالهم أنهم يريدون العلو في الأرض ولا يحدثون أنفسهم بذلك ولا يرغبون به .. وليس فقط أنهم لا يمارسون العلو في الأرض والفساد، بل لا يخطر في بال احدهم انه أفضل من احد اخوته مهما كان ظاهره بسيطاً، وكان يقول: من يحتقر مؤمناً بسيطاً ومن يحتقر فقيراً .. فقد احتقر احمد الحسن.

كان دائماً يقول : ( أعدى أعداء الإنسان نفسه التي بين جنبيه )، وفي الحقيقة كان السيد احمد الحسن (ع) مدرسة عظيمة في كل شيء، ومنه عَلِمْنا مدى بشاعة وانحطاط مناهج التكبر والتعالي الذي هو السمة الغالبة على أكثر المؤسسات الدينية .. من تقبيل الأيدي والتعالي والاستطالة على الناس، وإطالة اللحى وتكبير العمائم … فتجد أن العرف السائد انه كلما ظن رجل الدين بأنه قد ارتقى في العلم زاد من طول لحيته وكبر عمامته أكثر .. بل يتميز حتى في النعال .. فيلبس نعالاً اصفراً .. وهذا النعال الأصفر يعني انه أصبح مجتهداً … فتعساً لهكذا اجتهاد يكون النعال دليلاً عليه !!!!!!!!!!

بل اني شدَّ انتباهي في أحد الأيام .. أحد من يدَّعون الاجتهاد في النجف الأشرف .. حيث كنت واقفاً في الصحن الحيدري الشريف وجاء هذا المجتهد وخلفه أحد أتباعه .. فعندما وصل إلى مكان نزع الأحذية ترك نعاله الأصفر بدون أن يضعه عند المسؤولين عن حفظ الأحذية .. وكانت مهمة الشخص الذي يمشي خلفه أن يحمل هذا النعال الأصفر ويعطيه لهؤلاء المسؤولين وعندما يخرج هذا المرجع يقدم هذا الشخص له ذلك النعال الأصفر .. فاشمأزت نفسي من هكذا منهج فرعوني منحرف عن منهج أهل البيت (ع) منهج التواضع والبساطة والإيثار.

وأما من يدعون المرجعية العليا الآن .. تجد الناس يقفون طوابير طيلة ساعات في انتظار أن يصل إليهم الدور ليقبلوا يد هذا المرجع ليس إلا !!!!

وتجد ذلك المرجع رافعاً يده وأحياناً كثيرة يلتفت إلى من بجانبه ويتكلم معه .. والناس تقبل يده وتذهب وهو لا ينظر إليهم حتى … وهذا ما رأيته بعيني والله على ما أقول شهيد.

في حين أن هؤلاء المراجع يقرؤون ما روي عن أهل البيت (ع) في النهي عن ذلك:

عن علي بن مزيد صاحب السابري قال : ( دخلت على أبي عبد الله ( عليه السلام ) فتناولت يده فقبلتها ، فقال : أما إنها لا تصلح إلا لنبي أو وصي نبي ) الكافي ج 2 ص 185.

وعن الرضا ( عليه السلام ): ( لا يقبل الرجل يد الرجل ، فإن قبلة يده كالصلاة له ) تحف العقول ص 450.

فهؤلاء لا يظنون بأن أحداً أفضل منهم ولذلك أيديهم مشرعة أمام كل الناس للتقبيل ، وإلا إذا كانوا يظنون ربما يوجد في من يقبل أيديهم من هو أفضل منهم واقرب إلى الله منهم فكيف يقبلون أن يُقبل أيديهم ؟!

وهذا بعيد كل البعد عن أخلاق آل محمد (ع) وما رَبُّوا عليه شيعتهم ومحبيهم، ولله در الشهيد محمد محمد صادق الصدر ( رحمه الله ) حين وضح شناعة هذه البدعة بأوضح بيان وفند جميع الحجج الواهية لتبرير هذه البدعة ، حيث قال في احد خطبه أو تسجيلاته الصوتية، ما معناه: ( الذي تقبل يده فهو شيطان من حيث يعلم أو لا يعلم ).

وقال أيضاً ما معناه: ( أنا كنت غريباً في الحوزة والمجتمع لأني لا أقدم يدي للتقبيل .. ولكن إن شاء الله سيأتي اليوم الذي يكون فيه من تقبل يده هو الغريب والمنبوذ ).

نعم .. إن شاء الله يكون هذا اليوم قريباً جداً .. فيرجع دين محمد وال محمد (ع) غضاً طرياً بلا بدعة أو تحريف، فقد طلع الفجر الصادق وها نحن بانتظار اشراقة الشمس … قال تعالى: ( … إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ } هود81.

نعم ربي قريب وقريب جداً وقلوبنا تتوق بشوق ولهفة إلى هذا الصبح الذي هو قرة عين المتقين المنتظرين، والذي يستبعده المشككين والمرتابين، قال تعالى: ( إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً ) المعارج 6 -7.

فكان السيد احمد الحسن (ع) يؤكد تأكيداً بليغاً على نكران الذات ومحاربة النفس ، والانصهار في حب الله ومعرفته ومعرفة أوليائه، بل كان دائماً يؤكد على أن لا يكون هدف الإنسان من الطاعة هو الجنة واتقاء النار ، بل لابد أن يعبد الإنسان ربه لأنه المستحق للعبادة .. كما روي عن أمير المؤمنين (ع) .. فمن قتل نفسه وهواه يمكنه أن يدخل ملكوت الله وفضاء المتقين حقيقة .. وأما من كان منشغلاً بالنظر إلى نفسه .. فبقدر هذا الانشغال يكون غافلاً عن ربه.

ودائماً كان سلام الله عليه يقول : من نحن حتى نعتبر لأنفسنا فضلاً أو مقاماً أو رفعة على غيرنا .. فإذا كان أمير المؤمنين (ع) وسيد الموحدين بعد رسول الله (ص) يقول عن نفسه: ( الهي قد جرت على نفسي في النظر لها ، فلها الويل إن لم تغفر لها ) بحار الأنوار ج 91 ص 97. فمن نحن حتى نغتر بأنفسنا وننشغل بالنظر لها أو الإعجاب بها أو نرى أننا قد أدينا حقاً من حقوق الله علينا .. ينبغي لنا أن نستحي ونخجل من وجودنا ونعض على أيدينا حسرة وندامة على تقصيرنا في حق الله تعالى وشكر نعمائه علينا التي لا تعد ولا تحصى.

وعلى إي حال إلى هنا ألوي سنان القلم فهذا مضمار مهما كتبت فيه فلا ابلغ منتهاه ولا استطيع وصف جزء من ثناياه .. فلا يمكن لي أن أصف تواضع هذا العبد العظيم .. إلا بما اعرفه ومن أين لي معرفته .. وكيف يعرف الثرى الثريا .. وأنَّى لي ذلك .. فحتى الكلمات والتعابير تزدحم لدي واحتار في تقديم بعضها على بعض .. حتى أجد نفسي لا استطيع كتابة شيء.

ولكن ربما نستطيع معرفة شيء من الحقيقة عندما نستمع إليه وهو يقول عن نفسه: ( لا أرى نفسي إلا ذنباً بين يدي ربي ).

ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

هكذا عَرَفْتُهُ:

زاهداً في الدنيا وزخرفها .. لا يقيم لها وزناً أبداً .. زاهد ليس كالزهاد المزيفين ، الذين يتظاهرون بالزهد أمام الناس وقلوبهم منخلعة لحب الدنيا والجاه والمنصب والظهور .. بل زاهد كزهد آبائه الطاهرين ، قولاً وفعلاً وسلوكاً .. يبغض كل معالم العلو والظهور .. متطبعاً على التواضع والبساطة والقناعة .. ليس له بيت يؤويه أو يؤوي عياله .. ولا مركبة تقله ويقضي بها حوائجه و لا .. ولا .. ولا .. كأنه ضيف في هذه الدنيا وعما قليل راحل.

ورغم هذا عندما تراه تجده أغنى الناس واعز الناس .. متوكلاً على الله تعالى في كل شيء، يصب كل اهتمامه على تأدية طاعات الله تعالى وإصلاح الناس وإحياء السنن وإماتة البدع .. وأما الرزق المادي الدنيوي .. فهو مطبقاً لقول أمير المؤمنين (ع):

( أيها الناس اعلموا أن كمال الدين طلب العلم والعمل به ، ألا وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال ، إن المال مقسوم مضمون لكم ، قد قسمه عادل بينكم ، وضمنه وسيفي لكم ، والعلم مخزون عند أهله ، وقد أمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه ) الكافي ج 1 ص 30.

فتعلمنا منه: ان الذي يصلح ما بينه وما بين الله .. يتكفل الله بجميع شؤونه ويجعل له من كل ضيق مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، كما قال الله تعالى: ( … وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق: 1 – 2.

والرزق الطيب هو ما كان مع طاعة الله وفي طاعة الله ولطاعة الله .. أي حتى طلب الرزق يجب أن يكون لطاعة الله تعالى وتأدية ما افترض علينا .. من نصرة الدين ومساعدة الفقراء والمحتاجين والقيام بواجبات الأهل والعيال والأرحام .. لا أن يكون حباً في جمع الأموال وحرصاً على الدنيا والجاه .. فالقلب إناء لا يتسع لشيئين في آن واحد .. فإما حب الله وإما حب الدنيا .. فما خُلقنا لتشغلنا الدنيا وزخرفها ولمنازعة كلابها المسعورة.

وكان سلام الله عليه دائماً يتمثل بوصف أمير المؤمنين (ع) للدنيا:

– ( الدنيا جيفة وطالبها كلاب ، فمن أراد منها شيئاً فليصبر على مخالطة الكلاب ) شرح إحقاق الحق ج 32 ص 237.

– ( والله لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم ) نهج البلاغة ج 4 ص 52 – 53.

وكان سلام الله (ع) دائماً يردد بألم وحسرة قول الله تعالى لكليمه موسى بن عمران:

– عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : في مناجاة موسى ( عليه السلام ) : ( يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلاً فقل : مرحباً بشعار الصالحين ، وإذا رأيت الغنى مقبلاً فقل : ذنب عجلت عقوبته ) الكافي ج 2 ص 263.

وما زلت أتذكر تمثله بقول نبي الله عيسى (ع) وما أحلاه عندما يخرج من فمه الطاهر:

– ( النوم على المزابل واكل خبز الشعير كثير مع سلامة الدين ) معاني الأخبار ص341.

نعم .. مولاي .. فعلاً كثير وكثير جداً مع سلامة الدين والعقيدة .. هذا ما تعلمناه منك يا ابن الأطهار ونسأل الله تعالى أن يرزقنا طاعته والزهد في الدنيا وان لا يجعلنا من أهل آخر الزمان الذين لا يعرفون العالم إلا بلباس حسن وإلا بالتعالى والغرور، كما روي عن النبي محمد (ص):

– ( سيأتي زمان على أمتي لا يعرفون العلماء إلا بثوب حسن ولا يعرفون القرآن إلا بصوت حسن ، ولا يعبدون الله إلا في شهر رمضان ، فإذا كان كذلك سلط الله عليهم سلطاناً لا علم له ولا حلم له ولا رحم له ) بحار الأنوار ج 22 ص 454.

– ( سيأتي على الناس زمان تخبث فيه سرائرهم وتحسن فيه علانيتهم ، طمعاً في الدنيا ، لا يريدون به ما عند ربهم ، يكون دينهم رياء لا يخالطهم خوف ، يعمهم الله بعقاب ، فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجيب لهم ) الكافي ج 2 ص 296.

نعم دعاء الغريق … هذا الدعاء الذي أوصى به أهل البيت (ع) عند ظهور الفتن في آخر الزمان .. وانه المنجي منها:

– عن عبد الله بن سنان، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام : ( ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى ، ولا إمام هدى ولا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق ، قلت : كيف دعاء الغريق ؟ قال : يقول : ” يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ” فقلت : ” يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك ” قال : إن الله عز وجل مقلب القلوب والأبصار ولكن قل كما أقول لك : ” يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) كمال الدين وتمام النعمة ص 352.

نعم أهل البيت (ع) ينصون في هذا الحديث وفي غيره بأنه لا منجي للناس من فتن آخر الزمان إلا بالرجوع إلى الله تعالى والاعتصام به وطلب الهداية منه، واليوم نجد فقهاء السوء يثقفون الناس على أنهم هم سبل النجاة وان الناس بخير وعلى الحق ما داموا متمسكين بالفقهاء .. وكأن الفقهاء هم أصحاب الوحي .. فلا ينزل شيء إلى الأرض ولا يصعد شيء إلى السماء إلا بعد المرور بهم !!!

في حين أننا لو رجعنا إلى أهل البيت (ع) وسألناهم عن فقهاء آخر الزمان لوجدنا الإجابة كالآتي:

– عن محمد بن مسلم قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام : متى يظهر قائمكم ؟ قال : ( إذا كثرت الغواية وقلت الهداية ، وكثر الجور والفساد وقل الصلاح والسداد ، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء ، ومال الفقهاء إلى الدنيا ، وأكثر الناس إلى الأشعار والشعراء ….. فعند ذلك ينادى باسم القائم عليه السلام في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان ، ويقوم في يوم عاشوراء ، فكأني أنظر إليه قائما بين الركن والمقام وينادي جبرئيل بين يديه : البيعة لله ، فتقبل إليه شيعته ) معجم أحاديث الإمام المهدي (ع) ج 3 ص 490 – 491.

– عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلا رسمه ومن الإسلام إلا اسمه ، يسمعون به وهم أبعد الناس منه ، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى ، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود ) الكافي ج 8 ص 307 – 308.

– عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : ( يكون في آخر الزمان قوم يُتبع فيهم قوم مراؤن يتقرؤن ويتنسكون حدثاء سفهاء لا يوجبون أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر إلا إذا أمنوا الضرر ، يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير ، يتبعون زلات العلماء وفساد علمهم … ) تهذيب الأحكام ج 6 ص 180.

– وفي حديث المعراج: ( … فقلت: إلهي وسيدي متى يكون ذلك – يعني قيام القائم (ع) – ؟ فأوحى الله عز وجل : يكون ذلك إذا رفع العلم ، وظهر الجهل ، وكثر القراء ، وقل العمل ، وكثر القتل ، وقل الفقهاء الهادون ، وكثر فقهاء الضلالة والخونة ، وكثر الشعراء … ) كمال الدين وتمام النعمة ص 251.

– عن المفضل بن عمر ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ( لو قام قائمنا بدأ بكذابي الشيعة فقتلهم ) اختيار معرفة الرجال ج 2 ص 589.

– عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : سألته ، متى يقوم قائمكم ؟ قال : يا أبا الجارود ، لا تدركون . فقلت : أهل زمانه . فقال : ولن تدرك أهل زمانه ، يقوم قائما بالحق بعد إياس من الشيعة ، يدعو الناس ثلاثاً فلا يجيبه أحد ….. ويسير إلى الكوفة ، فيخرج منها ستة عشر ألفاً من البترية ، شاكين في السلاح ، قراء القرآن ، فقهاء في الدين، قد قرحوا جباههم ، وشمروا ثيابهم ، وعمهم النفاق ، وكلهم يقولون : يا بن فاطمة ، ارجع لا حاجة لنا فيك . فيضع السيف فيهم على ظهر النجف عشية الاثنين من العصر إلى العشاء ، فيقتلهم أسرع من جزر جزور ، فلا يفوت منهم رجل ، ولا يصاب من أصحابه أحد ، دماؤهم قربان إلى الله . ثم يدخل الكوفة فيقتل مقاتليها حتى يرضى الله ( عز وجل ) … ) دلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري ( الشيعي) ص 455 – 456.

وغير ذلك الكثير من الروايات لا يسع المجال لذكرها في هذا المختصر.

وأخيراً أقول: هذا قليل من كثير وغيض من فيض مما عرفت به السيد احمد الحسن (ع) كتبته على نحو السرعة والعجلة .. واعتذر إلى الله والى رسوله والى أهل البيت (ع) عن التقصير .. ولكن رجائي أن أوفق في المستقبل أن اكتب سيرة للدعوة اليمانية المباركة وأحاول أن أجمع كل ما عرفته وعاصرته منذ بداية الدعوة المباركة والى يومنا هذا.

والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد واله الأئمة والمهديين ، واللعن الدائم على أعدائهم إلى يوم الدين.

الشيخ ناظم العقيلي

23 – جمادي الثاني – 1431 هـ

إقرأ ايضاً